فصل: (باب الباء والتاء وما بعدهما في الثلاثي)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: معجم مقاييس اللغة ***


كتاب الباء

‏(‏باب الباء وما بعدها في الذي يقال له المضاعف‏)‏

‏(‏بتّ‏)‏

الباء والتاء لـه وجهان وأصلان‏:‏ أحدهما القطع، والآخر ضربٌ من اللباس‏.‏ فأما الأوّل فقالوا‏:‏ البتّ القطع المستأصِل، يقال بَتَتُّ الحبلَ وأَبْتَتُّ‏.‏ ويقال أعطيتُه هذه القَطيعةَ بَتّاً بَتْلاً‏.‏ ‏"‏والبتَّةَ‏"‏ اشتقاقُه من القَطْع، غير أنّه مستعملٌ في كل أمرٍ يُمضَى ولا يُرجَع فيه‏.‏ ويقال انقطع فلانٌ عن فلان فانبتَّ وانقبض‏.‏ قال‏:‏

فَحَلَّ في جُشَمٍ وانبتَّ مُنْقَبِضاً *** بحبلهِ مِنْ ذُرَى الغُرِّ الغَطَاريفِ

قال الخليل‏:‏ أبَتَّ فلانٌ طلاقَ فُلانةَ، أي طلاقاً باتّا‏.‏ قال الكسائي‏:‏ كلام العرب أبْتَتُّ عليه القضاء بالألف، وأهل الحجاز يقولون‏:‏ بَتَتُّ، وأنا أَبُتُّ‏.‏ وضَرَبَ يَدَه فأبَتَّها وَبتَّها، أي قطعها‏.‏ وكلُّ شيءٍ أنفَذْتَه وأمْضَيتَه فقد بتَتَّهُ‏.‏ قال الخليل وغيره‏:‏ رجل أحمقُ باتٌّ شديد الحُمْق، وسكرانُ باتٌّ أي منقطعٌ عن العمل، وسكران ما يَبُتُّ، أي ما يقطَعُ أمْراً‏.‏ قال أبو حاتم‏:‏ البعير ‏[‏الباتّ‏]‏ الذي لا يتحرّك من الإعياء فيموت‏.‏ وفي الحديث‏:‏ ‏"‏إنّ المُنْبَتَّ لا أرضاً قَطَعَ ولا ظَهْراً أَبْقَى‏"‏ هو الذي أتعَبَ دابّتَه حتّى عطِب ظَهرُه فبقي مُنقَطعاً به‏.‏ قال التميمي‏:‏ ‏"‏هذا بَعيرٌ مُبْدَعٌ وأَخاف أنْ أحمِلَ عليه فأبُتَّه‏"‏ أي أقطعه‏.‏ ومُبْدَعٌ‏:‏ مُثْقَلٌ، ومنه قولـه‏:‏ ‏"‏إنّي أُبْدِعَ بي‏"‏‏.‏ قال النّضر‏:‏ البعير الباتّ المهزول الذي لا يقدر على التحرُّك‏.‏ والزاد يقال لـه بَتاتٌ، من هذا؛ لأنه أمارة الفِراق‏.‏ قال الخليل‏:‏ يقال بَتَّتَهُ أهلُه أي زوَّدُوه‏.‏ قال‏:‏

أبُو خَمْسٍ يُطِفْنَ به جميعاً *** غدا مِنهنَّ ليس بذِي بَتَاتِ

قال أبو عُبيد‏:‏ وفي الحديث‏:‏ ‏"‏لا يُؤخذ عُشْر البَتات‏"‏ يريد المتاع، أي ليس عليه زكاةٌ‏.‏ قال العامِريّ‏:‏ البَتات الجِهاز من الطّعام والشَّراب، وقد تَبَتَّتَ الرّجلُ للخُروج، أي تجهَّز‏.‏

قال العامريّ‏:‏ يقال حجَّ فلانٌ حجّاً بَتّاً أي فَرْداً، وكذلك الفردُ من كلِّ شيء‏.‏ قال‏:‏ ورجلٌ بتٌّ، أي فرد؛ وقميص بَتٌّ أَي فَرْد ليس على صاحبه غيرُه‏.‏ قال‏:‏

* يا رُبَّ بَيضاءَ عليها بَتُّ *

قال ابن الأعرابيّ‏:‏ أعطيته كذا فبَتّتَ به، أيْ انفرد به‏.‏

ومما شذّ عن الباب قوُلهم‏:‏ طَحَن بالرَّحَى بَتّاً إذا ذهب بيده عن يساره، وشَزْراً إذا ذهب به عن يمينه‏.‏

‏(‏بثّ‏)‏

الباء والثاء أصلٌ واحد، وهو تفريق الشيء وإظهاره؛ يقال بثُّوا الخيلَ في الغارة‏.‏ وبثّ الصيّاد كلابَه على الصّيد‏.‏ قال النابغة‏:‏

فبَثَّهُنَّ عليه واسْتَمَرّ بِهِ *** صُمْعُ الكُعُوبِ بريئاتٌ من الحَرَدِ

والله تعالى خَلقَ الخلْقَ وبثَّهمْ في الأرض لمعاشهم‏.‏ وإذا بُسِط المتاعُ بنَواحِي البيت والدّار فهو مَبثُوث‏.‏ وفي القرآن‏:‏ ‏{‏وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ‏}‏ ‏[‏الغاشية 16‏]‏ أي كثيرة متفرّقة‏.‏ قال ابن الأعرابيّ‏:‏ تَمْرٌ بَثٌّ، أي متفرِّق لم يجمعه كَنْزٌ‏.‏ قال‏:‏ وبثَثْتُ الطَّعامَ والتمرَ إذا قَلّبْتهُ* وألقيتَ بعضَه على بعض، وبثثْتُ الحديثَ أي نشَرْتُه‏.‏ وأما البثُّ من الحزْن فمِنْ ذلك أيضاً، لأنه شيءٌ يُشتَكَى ويُبَثّ ويُظهَر‏.‏ قال الله تعالى في قصّة مَن قال‏:‏ ‏{‏إنَّما أَشْكُو بَثِّي وَحُزْني إلى اللهِ‏}‏ ‏[‏يوسف 86‏]‏‏.‏ قال أبو زيد‏:‏ يقال أبَثَّ فلانٌ شُقُورَهُ وفُقُورَه إلى فلانٍ يُبِثّ إبثاثاً‏.‏ والإبثاث أن يشكو إليه فقره وضَيعته‏.‏ قال‏:‏

وأبكِيهِ حَتَّى كاد مِمَّا أُبِثُّهُ *** تُكَلِّمُني أَحْجَارُهُ ومَلاعِبُهْ

وقالت امرأةٌ لزوجها‏:‏ ‏"‏والله لقد أطعَمْتُك مأدُومِي، وأبْثَثْتُكَ مكتُومي، باهلاً غيرَ ذاتِ صِرار‏"‏‏.‏

‏(‏بجّ‏)‏

الباء والجيم يدلّ على أصلٍ واحد وهو التفتُّح‏.‏ من ذلك قولُهم للطعن بجّ‏.‏ قال رؤبة‏:‏

* قَفْخاً على الهامِ وبَجّاً وَخْضَا *

قال أبو عُبيدٍ‏:‏ هو طعنٌ يصل إلى الجوف فلا ينفُذ؛ يقال منه بَجَجْتُه أَبُجُّه بَجَّاً‏.‏ ويقال رجلٌ أَبَجُّ، إذا كان واسعَ مَشَقِّ العينِ‏.‏ قال ابنُ الأعرابيّ‏:‏ البجُّ القطع، وشقُّ الجلدِ واللّحمِ عن الدَّم‏.‏ وأَنشد الأصمعي‏:‏

فَجاءتْ كأَنَّ القَسْوَرَ الجَوْنَ بَجَّها *** عَسَالِيجُهُ والثَّامِرُ المتناوحُ

يصف شاةً يقول‏:‏ هي غزيرةٌ، فلو لم ترْعَ لجاءَتْ من غُزْرِها ممتلئةً ضُروعُها حتى كأنّها قد رعَتْ هذه الضروبَ من النّبات، وكأنّها قد بُجّتْ ضروعها ونُفِجتْ‏.‏ ويقال ما زال يَبُجُّ إبلَه أي يسقيها‏.‏ وبَجَجْتُ الإبلَ بالماء بَجّاً إذا أرْوَيتَها‏.‏ وقد بَجَّها العُشْبُ إذا ملأَها شحماً‏.‏ والبجباج‏:‏ البَدَنُ الممتلئ‏.‏ قال‏:‏

* بعد انتفاخِ البَدَن البَجْبَاجِ *

وجمعه بَجابِج‏.‏ ويقال عينٌ بَجّاءُ، وهي مثل النّجلاء‏.‏ ورجلٌ بجيج العَين‏.‏ وأنشد‏:‏

يكونُ خَِمارُ القَزِّ فوقَ مُقَسَّمٍ *** أغَرَّ بَجيجِ المُقْلتينِ صَبِيحِ

فأما البجباج الأحمق فيحتملُ أن يكون من الباب، لأنّ عَقْله ليس ينام، فهو يتفتّح في أبواب الجهل، ويحتمل أن يقال إنه شاذٌّ‏.‏

ومما شذّ عن الباب البَجَّة وهي اسم إلهٍ كان يُعبَد في الجاهلية‏.‏

‏(‏بح‏)‏

الباء والحاء أصلان‏:‏ أحدهما أن لا يصفُوَ صوتُ ذِي الصّوت، والآخَر سعَة الشيء وانفساحُه‏.‏ فالأوّل البحَحُ، وهو مصدر الأبَحّ‏.‏ تقول منه بَحَّ يَبَُحُّ بَحَحاً وبُحوحا؛ وإذا كان من داءٍ فهو البُحاح‏.‏ قال‏:‏

ولقد بَحَِحْتُ من النِّدا *** ءِ بجمعكُمْ هَل مِن مُبارِزْ

وعُودٌ أبَحُّ إذا كان في صوته غِلَظ‏.‏ قال الكِسائيّ‏:‏ ما كنتَ أَبَحَّ ولقد بَحِحْتَ بالكسر تَبَحُّ بَحَحاً وبُحوحة‏.‏ والبُحَّة الاسم، يقال به بُحَّةٌ شديدة‏.‏ أبو عبيدة‏:‏ بَحَحْت بالفتح لغة‏.‏ قال شاعر‏:‏

إذا الحسناءُ لم تَرْحَضْ يَدَيْها *** ولم يُقْصَرْ لها بَصَرٌ بسِتْرِ

قَرَوْا أضيافَهم رَبَحاً بِبُجٍّ *** يَعيشُ بفَضْلِهِنَّ الحَيُّ سُمْرِ

الرَّبَح‏:‏الفصال‏.‏ والبُحُّ‏:‏ قِداحٌ يُقامَرُ بها‏.‏ كذا قال الشيبانيّ‏.‏ وقال الأصمعي في قول القائل‏:‏

وَعاذلةٍ هَبّتْ بليلٍ تلومُنِي *** وفي كفّها كِسْرٌ أَبَحُّ رَذُومُ

الرَّذُوم‏:‏ السّائل دَسَما‏.‏ يقول‏:‏ إنّها لامَتْه على نحر مالِهِ لأضيافه، وفي كفِّها كِسرٌ، وقالت‏:‏ أَمِثْلُ هذا يُنْحَر‏؟‏ ونُرى أنّ السَّمينَ وذا اللَّحمِ إنما سمِّيَ أبَحَّ مقابلةً لقولهم في المهزول‏:‏ هو عِظامٌ تُقَعْقِع‏.‏

والأصل الآخر البُحْبُوحة وَسَط الدار، ووَسط مَحَلّة القوم‏.‏ قال جرير‏:‏

قومي تميمٌ همُ القومُ الذين هُمُ *** ينْفُون تَغلِبَ عن بُحبُوحَة الدَّارِ

والتَّبَحْبُح‏:‏ التمكُّن في الحُلول والمُقام‏.‏ قال الفراء‏:‏ يقال نحن في باحَّة الدّارِ بالتشديد، وهي أوسعُها‏.‏ ولذلك قيل فلانٌ يتبحبح في المجْد أي يتّسِع‏.‏ وقال أعرابيٌّ في امرأَةٍ ضَرَبها الطَّلْق‏:‏ ‏"‏تركتها تَتَبَحْبَحُ على أيدي القَوابل‏"‏‏.‏

‏(‏بخ‏)‏

الباء والخاء‏.‏ وقد روي فيه كلامٌ ليس أصلاً يقاسُ عليه، وما أراه عربياً، وهو قولهم عند مَدْح الشيء‏:‏ بَخْ، وبخبَخَ فلانٌ إذا قال ذلك مكرِّراً له‏.‏ قال‏:‏

بين الأشَجِّ وبينَ* قيس باذخٌ *** بَخْ بَخْ لوالدهِ وللمولُودِ

وربما قالوا‏:‏ بَخٍ‏.‏ قال‏:‏

روافدهُ أكرَمُ الرَّافداتِ *** بَخٍ لك بَخٍّ لبَحرٍ خِضَمّ

فأمّا قولهم‏:‏ ‏"‏بخبخُوا عنكم من الظهيرة‏"‏ أي أبردوا، فهو ليس أصلاً؛ لأنه مقلوب خَبَّ‏.‏ وقد ذكر في بابه‏.‏

‏(‏بد‏)‏

الباء والدال في المضاعف أصلٌ واحد، وهوالتفرُّق وتباعُدُ ما بينَ الشّيئين‏.‏ يقال فرسٌ أَبدُّ، وهو البعيد ما بين الرِّجلين‏.‏وبدّدْتُ الشيءَ إذا فرّقته‏.‏ ومن ذلك حديثُ أمّ سلمة‏:‏ ‏"‏يا جارية أَبِدِّيهِمْ تَمْرةً تَمرة‏"‏، أي فرِّقيها فيهم تَمرة تَمْرة‏.‏ ومنه قول الهذلي‏:‏

فأَبَدَّهُنَّ حُتُوفَهُنَّ فهاربٌ *** بِذَمائِهِ أو باركٌ مُتَجَعْجِعُ

أي فرَّق فيهنّ الحُتوفَ‏.‏ ويقال فرّقْناهم بَدَادِ‏.‏ قال‏:‏

* فشلوا بالرِّماح بَدَادِ *

وتقول بادَدْتُه في البَيع، أي بِعتُه مُعاوَضة‏.‏ فإن سأل سائلٌ عن قولهم‏:‏ لابدَّ من كذا، فهو من هذا الباب أيضاً، كأنه أراد لا فِراق منه، لا بُعد عنه‏.‏ فالقياس صحيحٌ‏.‏ وكذلك قولهم للمفازة الواسعة ‏"‏بَدْبَدٌ‏"‏ سمِّيت لتباعُدِ ما بين أقطارها وأطرافها‏.‏ و البادّان‏:‏ باطنا الفَخِذين من ذلك، سمِّيا بذلك للانفراج الذي بينهما‏.‏ وقد شذّ عن هذا الأصل كلمتان‏:‏ قولهم للرجل العظيم الخَلْق ‏"‏أَبَدّ‏"‏‏.‏ قال‏:‏

* أَلَدَّ يَمْشي مِشْيَةَ الأَبَدِّ *

وقولهم‏:‏ ما لك به بَدَدٌ، أي ما لك به طاقةٌ‏.‏

‏(‏بذّ‏)‏

الباء والذال أصلٌ واحد، وهو الغَلَبة والقَهْر والإذلال‏.‏ يقال بذّ فلانٌ أقرانَه إذا غلَبَهم، فهو باذٌّ يَبُذُّهم‏.‏ وإلى هذا يرجع قولهم‏:‏ هو بَاذّ الهيئة، وبَذُّ الهيئة بيِّن البَذَاذة، أي إن الأيَّام أتَتْ عليه فأَخلقَتْها فهي مقْهورة، ويكون فاعلٌ في معنى مفعولٍ‏.‏

‏(‏برّ‏)‏

الباء والراء في المضاعف أربعة أصول‏:‏ الصدق، وحكايةُ صَوتٍ، وخلاف البَحْرِ، ونبتٌ‏.‏ فأمّا الصِّدق فقولهم‏:‏ صدَق فلانٌ وبَرَّ، وبَرَّتْ يمينُه صدَقت، وأَبَرَّها أمضاها على الصِّدق‏.‏

وتقول‏:‏ بَرَّ الله حَجَّك وأَبَرَّهُ، وحِجَّةٌ مَبْرُورة، أي قُبِلَتْ قَبولَ العملِ الصَّادق‏.‏ ومن ذلك قولهم يَبَرُّ ربَّه أي يُطيِعه‏.‏ وهو من الصِّدق‏.‏ قال‏:‏

لاهُمَّ لولا أنَّ بَكراً دُونَكا *** يَبَرُّكَ النّاسُ ويَفْجُرُونَكا

ومنه قول الله تعالى‏:‏ ‏{‏لَيْسَ البِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ المَشْرِقِ والمَغْرِبِ‏}‏ ‏[‏البقرة 177‏]‏‏.‏ و‏[‏أَمّا‏]‏ قولُ النابغة‏:‏

* عليهنَّ شُعْثٌ عَامِدُون لِبرِّهِمْ *

فقالوا‏:‏ أراد الطاعة، وقيل أَراد الحج‏.‏ وقولهم للسّابقِ الجواد ‏"‏المُبّر‏"‏ هو من هذا؛ لأنه إذا جرى صدق، وإذا حمل صدق‏.‏

قال ابنُ الأعرابيّ‏:‏ سألتُ أعرابيّاً‏:‏ هل تعرفُ الجوادَ المُبِرّ من البطيء المقْرِف‏؟‏ قال‏:‏ نعم‏.‏ قلت‏:‏ صفهُما لي‏.‏ قال‏:‏ ‏"‏أمّا الجواد فهو الذي لُهِزَ لَهْزَ العَيْر، وأُنِّف تَأنيفَ السَّير، الذي إذا عَدَا اسْلَهَبّ، وإذا انتصِبَ اتلأَبّ‏.‏ وأما البطيء المقْرِف فالمدلوك الحجَبَة، الضّخمُ الأرنبة، الغليظ الرَّقَبة، الكثير الجَلَبَة، الذي إذا أمسَكْته قال أرسِلْني، وإذا أرسَلْتَهُ قال أمسِكْني‏"‏‏.‏

وأصل الإبرار ما ذكرناه في القهر والغَلَبة، ومرجعُه إلى الصِّدق‏.‏ قال طرَفة‏:‏

يَكشفون الضُّرَّ عن ذِي ضُرِّهِمْ *** ويُبِرُّونَ على الآبِي المُبِرّ

ومن هذا الباب قولهم‏:‏ هو يَبَرُّ ذا قرَابته، وأصله الصِّدق في المحبّة‏.‏ يقال رجل بَرٌّ وبارٌّ‏.‏ وبرَِرْت والدي وبرَِرْتُ في يميني‏.‏ وأبَرَّ الرّجُلُ ولَدَ أولاداً أبْرَاراً‏.‏ قال أبو عبيدة‏:‏ وَبَرَّةُ‏:‏ اسمٌ للبِرّ معرفةٌ لا تنصرف‏.‏ قال النابغة‏:‏

يومَ اخْتَلَفْنا خُطَّتَيْنا بينَنا *** فحملتُ بَرَّةَ واحتَملْتَ فَجارِ

وأمّا حكاية الصّوتِ فالعرب تقول‏:‏ ‏"‏لا يَعْرِفُ هِرّا من برّ‏"‏ فالهِرّ دُعاء الغنم، والبِرّ الصَّوتُ بها إذا سِيقَتْ‏.‏ ‏[‏و‏]‏ يقال لا يعرف مَن يكرهُه ممّن يَبرّه‏.‏ والبربرة‏:‏ كثرة الكلامِ والجَلَبَةُ باللِّسان‏.‏ قال‏:‏

* بالعَضْرِ كلّ عَذَوَّرٍ بَرْبارِ *

ورجل بَرْبارٌ وبَربارةٌ‏.‏ ولعلّ* اشتقاق البَربَرِ من هذا‏.‏ فأما قولُ طرَفَة‏:‏

ولكن دعا من قيس عَيلان عصبةً يسوقون في أعلى الحجازِ البَرابِرا

فيقال إنه جمع بُرْبُر، وهي صِغارُ أولاد الغنم‏.‏ قالوا‏:‏ وذلك من الصّوت أيضا، وذلك أنّ البَربرة صوتُ المَعْز‏.‏

والأصل الثالث خلاف البحر‏.‏ وأَبَرَّ الرّجلُ صار في البَرّ، وأَبْحَرَ صار في البحر‏.‏ والبرّيّة الصحراء‏.‏ والبَرّ نقيص الكِنّ‏.‏ والعرب تستعمل ذلك نَكِرةً، يقولون خرجتُ بَرّا وخرجتُ بحراً‏.‏ قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏ظَهَرَ الفَسَادُ فِي البَرِّ والبَحْرِ‏}‏ ‏[‏الروم 41‏]‏‏.‏

وأَما النَّبْت فمنه البُرّ، وهي الحنطة، الواحدة بُرّة‏.‏ قال الأصمعي‏:‏ أبَرَّت الأرضُ إذا كثر بُرُّها، كما يقال أَبْهَمَت إذا كثر بُهْمَاها‏.‏ والبُرْبُور الجَشيش من البُرّ‏.‏ يقال للخُبز ابن بُرَّةَ، وابنُ حَبّةَ، غير مصروفَين‏.‏ قال الشيباني‏:‏ ‏"‏هو أقصر من بُرَّة‏"‏ يعني واحدة البُرّ‏.‏ أي إن البُرّةَ غايةٌ في القِصَر‏.‏ قال الخليل‏:‏ البَرير حمْل الأَراك‏.‏ قال النابغة‏:‏

* تَسَفُّ بَرِيرَهُ وتَرودُ فِيهِ *

قال أبو زيادٍ الكِلابِيّ‏:‏ البَرِير أصغر حَبّاً من المَرْد والكَبَاث، كأنّه خَرَزٌ صِغار‏.‏ قال الأصمعي‏:‏ البَرِير‏:‏ اسمٌ لما أدْرَك مِنْ ثَمَر العِضاهِ، فإذا انتهى يَنْعُهُ اشتدَّ سوادُه‏.‏ قال بشر‏:‏

رأى دُرَّةً بيضاءَ يحفِلُ لَوْنَهَا *** سُخامٌ كغِرْبَانِ البَرِيرِ مُقَصَّبُ

يصِفُ شَعَرَها‏.‏

‏(‏بز‏)‏

الباء والزاء ‏[‏أصل واحدٌ‏]‏، وهو الهيئة من لباسٍ أو سِلاح‏.‏ يقال هو بَزّازٌ يبيع البَزّ‏.‏ وفلانٌ حسَنُ البِزّة‏.‏ والبَزّ‏:‏ السلاح‏.‏ قال شاعر‏:‏

كأنّي إذْ غدَوْا ضَمّنْتُ بَزِّي *** مِنَ العِقْبَانِ خَائتَةً طَلُوبَا

يقول‏:‏ كأن ثيابي وسلاحي حين غدوتُ على عقابٍ، من سرعتي‏.‏ وقولـه‏:‏ خائتة، تسمع لجناحها صوتاً إذا انقَضَّتْ‏.‏ وقولهم بزَزْتُ الرّجُل، أي سلبته، من هذا، لأنّه فِعلٌ وقَعَ ببَزِّه، كما يقال رأسْتُه‏:‏ ضربتُ رأسَه‏.‏

ممّا شَذّ عن هذا الباب البَزْبَزَة‏:‏ سُرْعَة السَّير‏.‏

‏(‏بسّ‏)‏

الباء والسين أصلان‏:‏ أحدهما السَّوْق، والآخر فَتُّ الشّيء وخلطه‏.‏ فالأوّل قولـه تعالى‏:‏ ‏{‏وبُسَّتِ الجِبَالُ بَسّاً‏}‏ ‏[‏الواقعة 5‏]‏، يقال سيقَت سَوْقا‏.‏ وجاء في الحديث‏:‏ ‏"‏يجيء قومٌ من المدينة يبسُّون، والمدينةُ خيرٌ لهم لو كانُوا يَعْلَمُون‏"‏‏.‏ ومنه قول أبي النجم‏:‏

* وانبَسَّ حَيَّاتُ الكَثيب الأهْيَلِ *

أي انْسَاقَ‏.‏ والأصل الآخر قولهم بُسّت الحنطة وغيرها أي فُتّتْ‏.‏ وفُسِّر قولـه تعالى‏:‏ ‏{‏وبُسَّتْ الجِبَالُ بَسّاً‏}‏ ‏[‏الواقعة 5‏]‏، على هذا الوجهِ أيضاً‏.‏ ويقال لتلك البَسِيسة، وقال شاعر‏:‏

* لا تخبِزَا خَبْزاً وبُسَّا بَسَّا *

يقول‏:‏ لا تخبزا فتُبطِئا بل بُسَّا السَّويقَ بالماء وكُلا‏.‏ فأمّا قولهم‏:‏ بَسَّ بالنّاقة وأبسّ بها إذا دعاها للحَلَْب، فهو من الأوَّل‏.‏ وفي أمثال العرب‏:‏ ‏"‏لا أفْعَلُ ذَلِكَ ما أبَسَّ عبْدٌ بناقة‏"‏، أي ما دعاها للحَلَْب‏.‏ قال شاعر‏:‏

فَلَحَا اللهُ طالبَ الصُّلحِ مِنّا *** ما أطافَ المُبِسُّ بالدَّهْماءِ

‏(‏بشّ‏)‏

الباء والشين أصلٌ واحد، وهو اللّقاء الجميل‏.‏ والضّحك إلى الإنسان سروراً به‏.‏ أنشد ابنُ دريد‏:‏

لا يَعدَمُ السّائلُ مِنهُ وَفْرا *** وقَبْلهُ بشاشةً وبِشْرا

يقال بَشّ به بشّاً وبَشاشة‏.‏

‏(‏بصّ‏)‏

الباء والصاد أصلٌ واحدٌ وهو بَريق الشيء وَلَمعانُه في حركَتِه‏.‏ يقال بَصَّ إذا لَمَعَ يَبصُّ بصيصاً وبَصّاً إذا لَمَعَ‏.‏ قال‏:‏

يَبِصُّ منها لِيطُها الدُّلامِصُ *** كدُرَّةِ البَحْرِ زَهاها الغائِصُ

الدُّلامِص‏:‏ البَرّاق‏.‏ زهَاها‏:‏ رَفَعها وأخْرَجها‏.‏ والبَصَّاصة‏:‏ العين‏.‏ وبصبَصَ الكلبُ‏:‏ إذا حرّك ذنَبَه، وكذلك الفَحْلُ‏.‏ قال‏:‏

* بَصْبَصْنَ إذْ حُدِينا *

وقال رؤبة‏:‏

* بصبصْنَ بالأذْنابِ من لُوحٍ وبَقّ *

وبصبَصَ جَرْوُ الكلْبِ إذا لَمَعَ ببصره قبل أن تتفَتّح عينُه‏.‏ وخِمْسٌ بَصْبَاصٌ‏:‏ بعيدٌ‏.‏ وقال أبو دُوَاد‏:‏

ولقد ذَعَرْتُ بناتِ عَـ *** ـمّ المُرْشِقَاتِ لَهَا بَصابصْ

قالوا‏:‏ أراد أن يقول‏:‏ ذعرت البقر، *فلم يستقم لـه الشِّعر فقال‏:‏ بنات عَمّ المُرْشِقات، وهي الظّباء‏.‏ وأراد بالبصابص تحريكَها أذنابَها‏.‏ والبَصِيصُ الرِّعدة من هذا القياس‏.‏

‏(‏بضّ‏)‏

الباء والضاد أصلٌ واحدٌ، وهو تندّي الشيء كأنّه يعرق‏.‏ يقال بَضّ الماءُ يَبِضّ بَضّاً وبُضوضاً إذا رَشَح من صَخرةٍ أو أرض‏.‏ ومن أمثال العرب قولهم‏:‏ ‏"‏ولا يَبِضّ حَجَرُه‏"‏، أي لا يُنال منه خَير‏.‏ ورَكِيٌّ بَضُوض‏:‏ قليلة الماء، ولا يقال بَضَّ السِّقاءُ ولا القِربة‏.‏ إنّما ذلك الرَّشْح أو النَّتْح، فإذا كان من دُهنٍ أو سمن فهو النَثُّ والمَثُّ‏.‏ فأمّا قولهم للبدن الممتلئ بَضٌّ فهو من هذا أيضاً، لأنّه مِنْ سِمَنِه وامتلائِه كأنّه يرشَح فيبرُقُ لونُه‏.‏ قالوا‏:‏ والبدن البَضُّ الممتلئ، ولا يكون ذلك من البياض وحدَه، قد يُقال ذلك للأبيض والآدَم‏.‏ قال ابنُ دريد‏:‏ رجلٌ بَضٌّ بَيِّنُ البضاضة والبُضوضة‏:‏ إذا كان ناصِعَ البياض في سِمَنٍ‏.‏ قال شاعر يصف قتيلاً‏:‏

وأبيَضُ بَضٌّ عليه النُّسورُ *** وفي ضِبْنِهِ ثَعْلَبٌ مُنْكَسِرْ

وقال أبو زُبيدٍ الطائيّ‏:‏

يا عُثمَُ أَدْرِكْني فإنَّ ركِيَّتي *** صَلَدَتْ فأعيَتْ أنْ تَبِضَّ بمائِها

‏(‏بطّ‏)‏

الباء والطاء أصلٌ واحد، وهو البَطُّ والشّقّ‏.‏ يقال بَطّ الجُرْحَ يبُطُّه بَطّاً، أي شقه‏.‏ فأمّا البطيط الذي هو العَجَب فمِنْ هذا أيضاً؛ لأنّه أمرٌ بُطَّ عَنْهُ فأُظْهِرَ حتى أعْجَبَ‏.‏ وقال الكميت‏:‏

ألَمَّا تَعْجَبي وترَيْ بَطيطاً *** من اللاّئِينَ في الحِجَجِ الخَوالي

وما سوى ذلك من الباء والطاء ففارسيٌّ كلُّه‏.‏

‏(‏بظّ‏)‏

الباء والظاء يقال إنّهم يقولون بَظّ أوتارَه للضَّرْب، إذا هيّأها‏.‏ ومثلُ هذا لا يعوّل عليه‏.‏

‏(‏بعّ‏)‏

الباء والعين أصلٌ واحد، على ما ذكره الخليل، وهو الثِّقَل ‏[‏و‏]‏ الإلحاح‏.‏ قال الخليل‏:‏ البَعَاع ثِقَل السَّحاب من المطر‏.‏ قال امرؤ القيس‏:‏

وألقى بصَحراءِ الغَبيط بَعَاعَهُ *** نُزولَ اليَمَاني ذي العِيَابِ المحمَّلِ

قال‏:‏ ويقال للرّجُل إذا ألقى بنفسه‏:‏ ألقى علينا بَعَاعَه‏.‏ ويقال للسَّحاب إذا ألقَى كلّ ما فيه من المطر‏:‏ ألقى بَعاعه‏.‏ يقال بَعَّ السَحابُ والمطرُ بعَّاً وبَعَاعَاً، إذا

ألحَّ بمكان‏.‏ وأمّا ابنُ دريد فلم يذكر من هذا شيئاً، وذكر في التكرير البَعْبَعَة‏:‏ تكرير الكلام في عجلةٍ‏.‏ وقد قلنا إنّ الأصواتَ لا يُقاسُ عليها‏.‏

‏(‏بغّ‏)‏

الباء والغين في المضاعف أصلان متباينان عند الخليل وابن دريد‏.‏ فالأول البغبغة، وهي حكايةُ ضربٍ من الهدير، وأنشد الخليل‏:‏

* بِرَجْسِ بَغْبَاغِ الهديرِ البَهْبَهِ *

والأصل الثاني ذكره ابنُ دريد قال‏:‏ البَغْبَغ وتصغيرها بُغَيْبِغ وهي الرّكِيّة القريبة المَنْزَع‏.‏ قال‏:‏

يا رُبَّ ماءٍ لكَ بالأجْبالِ *** ُغَيْبِغٍ يُنْزَعُ بالعِقَالِ

‏(‏بق‏)‏

الباء والقاف في قول الخليل وابن دُريدٍ أصلان‏:‏ أحدهما التفتُّح في الشيء، قولاً وفِعلاً، والثاني الشَّيء الطَّفيف اليسير‏.‏ فأمّا الأول فقولهم بَقَّ يَبُقُّ بَقَّاً؛ إذا أوسع من العطيّة‏.‏ وكذلك بَقَّتِ السماء بَقّاً، إذا جاءت بمطرٍ شديد‏.‏ قال الراجز‏:‏

وبَسَطَ الخيرَ لنا وبَقَّهُ *** فالخلْقُ طُرّاً يَأْكلُونَ رِزْقَهُ

وبَقَّ فلانٌ علينا كلامَه إذا كَثّرَه‏.‏ والبقبقة‏:‏ كثْرة الكلام، يقال رجلٌ بَقَاق وبَقْباق‏.‏ قال الرّاجز‏:‏

وقد أقود بالدَّوَى المزَمَّلِ *** أَخْرَسَ في الرَّكْبِ بَقَاقَ المَنْزِلِ

ومن ذلكَ بقبَقةُ الماءِ في حرَكَتِه، والقِدْرِ في غليانها‏.‏

والأصل الآخر البَقُّ من البَعوض، الواحدة بَقّة‏.‏ قال الراجز‏:‏

* يَمْصَعْنَ بالأذناب من لُوحٍ وبَقّ *

ومن هذا الباب البَقاق‏:‏ أسْقاطُ مَتاعِ البيت‏.‏

‏(‏بكّ‏)‏

الباء والكاف في المضاعف أصلٌ يجمع التزاحُمَ والمغالبة‏.‏ قال الخليل‏:‏ البَكّ دقُّ العُنق‏.‏ ويقال سمِّيت بكّة لأنّها كانت تَبُكُّ أعناق الجبابرة إذا أَلحَدْوا فيها بظُلْمٍٍ لم يُنْظَروا‏.‏ ويقال بل سُمّيتْ بكّةَ لأنّ النّاسَ بعضُهم يبكُّ بعضاً في الطَّواف، أي يدفع‏.‏ وقال الحسن‏:‏ أي يتباكُّون فيها من* كُلّ وجهٍ‏.‏ وقيل أيضاً‏:‏ بَكَّةُ فَعْلَة من بكَكْتُ الرّجلَ إذا ردَدْتَه ووضعتَ منه‏.‏ قال‏:‏

إذَا الشَّرِيبُ أخَذَتْهُ أَكَّهْ *** فَخَلِّهِ حَتّى يَبُكَّ بَكَّهْ

وقال آخر‏:‏

يَبُكُّ الحَوْضَ عَلاّهَا ونَهْلَى *** ودُونَ ذِيادِها عَطَنٌ مُنِيمُ

تبكّ‏:‏ تزدحم عليه‏.‏ قال ابنُ الأعرابيّ‏:‏ تبَاكَّت الإبل، إذا ازدحمتْ على الماء فشرِبَتْ ورجل أبَكُّ شديدٌ غَلاَّب، وجمعه بُكٌّ، ويقال بكّهُ إذا غلبَه‏.‏

قال الفرّاء‏:‏ يقال للرِّشاء الغليظ الأبكّ‏.‏ والأبكّ في قول الأصمعي الشّجَر المجتمع‏.‏ يريد قول القائل‏:‏

صَلاَمَةٌ كَحُمُرِ الأَبَكِّ *** لا جَذَعٌ فيها ولا مُذَكِّ

‏(‏بل‏)‏

الباء واللام في المضاعف له أصولٌ خمسة هي معظم الباب‏.‏ فالأول النَّدى، يقال بلَلْتُ الشيء أَبُلُّهُ‏.‏ والبِلَّةُ البَلَل، وقد تضمّ الباء فيقال بُلَّة‏.‏ وربما ذكَروا ذلك في بقيّة الثَّمِيلة في الكَرِش‏.‏ قال الراجز‏:‏

* وفارقَتْها بُلَّة الأوابِلِ *

ويقال‏:‏ ذهبت أبْلاَلُ الإبِل، أي نِطافُها التي في بطونها‏.‏ قال الضَّبّيُّ‏:‏ ليس من النوق ناقةٌ تَرِدُ الماءَ فيها بُلَّةٌ إلاّ الصّهباء‏.‏ أي إنّها تصبر على العطش‏.‏ ومن ذلك التي هي العطيّة‏.‏ قال الخليل‏:‏ يقال للإنسان إذا حسُنَتْ حالُه بعد الهزال‏:‏ قد ابتلّ وتبلَّل‏.‏ ويقولون‏:‏ ‏"‏لا أَفعَلُ كذا ما بلَّ بَحْرٌ صُوفَة‏"‏ ويقال للبخيل‏:‏ ما تَبُلُّ إحدى يَدَيْهِ الأُخْرَى‏.‏ ومنه ‏"‏بُلُّوا أرحامَكم ولو بالسَّلام‏"‏‏.‏ ويقال لا تبلّك عندي بالَّةٌ ولا بِلاَلٌ ولا بَلاَلِ على وزن حَذَامِ‏.‏ قال‏:‏

فلا والله يا ابنَ أبي عَقِيلٍ *** تبلُّك بعدَها فينا بَلاَلِ

وفي أمثال العرب‏:‏ ‏"‏اضربوا أميالاً تَجِدُوا بَلاَلاً‏"‏‏.‏ قال الخليل‏:‏ بِلّة اللِّسان وقوعُه على مواضع الحروف واستمراره على النُّطق، يقال ما أحسنِ بِلّة لسانه‏.‏ وقال أبو حاتم‏:‏ البَِلّة عَسَل السَّمُرِ‏.‏ ويقال أبلَّ العُود إذا جرى فيه نَدَى الغيث‏.‏ قال الكسائي‏:‏انصرفَ القوم بِبَلَّتهم، أي انصرفوا وبهم بقيّة‏.‏ ويقال اطوِ الثّوب على بَُلَّته أي على بقية بللٍ فيه لئلا يتكسّر‏.‏ وأصله في السقاء يتَشَنَّن، فإذا أريد استعمالهُ نُدِّيَ‏.‏ ومنه قولهم‏:‏ طويتُ فلاناً على بِلاله، أي احتملتُه على إساءته، ويقال على بُلَّته وبُلُلَته‏.‏ وأنشَدُوا‏:‏

ولقد طويتكُمُ على بُلُلاتِكمْ *** وعلمتُ ما فيكم من الأَذْرابِ

قال أبو زيد‏:‏ يقال ما أحسَن بَلَلَ الرَّجُل، أي ما أحسن تحمُّله، بفتح اللامين جميعاً‏.‏ وأمّا قولهم للرِّيح الباردة بَلِيلٌ، فقال الأصمعيّ‏:‏ هي ريحٌ باردة

تجيء في الشتاء ويكون معها نَدىً‏.‏ قال الهذلي‏:‏

* وسَاقَتْهُ بَلِيلٌ زَعْزَعُ *

والأصل الثاني‏:‏ الإبلال من المرض، يقال بلّ وأبَلّ واستبلَّ، إذا بَرَأَ‏.‏ قال‏:‏

إذا بَلَّ من داءٍ به ظَنَّ أنه *** نَجَا وبه الدّاءُ الذي هُو قاتلُه

والأصل الثالث‏:‏ أخذ الشّيءِ والذّهابُ به‏.‏ يقال بَلَّ فلانٌ بكذا، إذا وَقَعَ في يده‏.‏ قال ذو الرّمّة‏:‏

* بَلّتْ بِهِ غير طَيّاشٍ ولا رَعِشٍ *

ويقولون‏:‏ ‏"‏لئن بَلَّ به لَيَبَلَّنَّ بما يودّه‏.‏ ومنه قوله‏:‏

إنّ عليكِ فاعلِمنَّ سائِقا *** بَلا بأعْجازٍ المَطِيِّ لاحقَا

أي ملازماً لأعجازها‏.‏ ويقال‏:‏ إنّه لَبَلٌّ بالقرينة‏.‏ وأنشد‏:‏

وإنّي لَبَلٌّ بالقَرِينَةِ ما ارعَوَتْ *** وإنّي إذا صارَمْتُها لَصَرُومُ

وقال آخر‏:‏

بَلّتْ عُرَيْنَةُ في اللِّقاء بفارسٍ *** لا طائشٍ رَعِشٍ ولا وَقَّافِ

ويقولون‏:‏ إنّه ليَبَلُّ بهِ الخَيْرُ، أي يوافِقُه‏.‏

والأصل الرابع‏:‏ البَلَل، وهو مصدر الأبلِّ من الرّجال، وهو الجرِيء المُقْدِم الذي لا يستحيي ولا يُبالي‏.‏ قال شاعر‏:‏

ألاَ تَتّقُونَ الله يا آلَ عامِرٍ *** وهَلْ يَتّقي اللهَ الأبَلُّ المصَمِّمُ

ويقال هو الفاجر الشَّديد الخُصُومة، ويقال هو الحَذِر الأريب‏.‏ ويقال أبَلَّ الرّجلُ يُبِلّ إبلالاً، إذا غَلَب وأعْيَا‏.‏ قال أبو عُبيدٍ‏:‏ رجلٌ أبَلُّ وامرأةٌ بَلاّءُ، وهو الذي لا يُدرَك* ما عِندَه‏.‏

وما بعد ذلك فهي حكايةُ أصواتٍ وأشياءَ ليست أصولاً تنقاس‏.‏ قال أبو عمرو‏.‏ البَلِيل‏:‏ صوتٌ كالأنين‏.‏ قال المرّار‏:‏

صوادِيَ كُلُّهُنَّ كأُمِّ بَوٍّ *** إذا حَنّتْ سمِعتَ لها بليلا

قال اللحْيانيّ‏:‏ بَليلُ الماء‏:‏ صَوتُه‏.‏ والحمام المبَلِّل هو الدائم الهدير‏.‏ قال‏:‏

ينفّرْن بالحَيْحاءِ شَاءَ صُعَائِدٍ *** ومن جانب الوادي الحمامَ المبَلِّلاَ

وبابِل‏:‏ بلد‏.‏ والبُلْبُل طائر‏.‏ والبَلْبَلَةُ وَسْواس الهموم في الصّدر، وهو البَلبال‏.‏ وبَلبَلةُ الألسُنِ اختلاطُها في الكلام‏.‏ ويقال بَلْبَلَ القومُ، وتلك ضَجَّتُهم‏.‏ والبُلبُلُ من الرِّجال الخفيف، وهو المشبَّه بالطائر الذي يسمَّى البُلْبل والأصل فيه الصّوت، والجمع بلابل‏.‏ قال‏:‏

ستُدْرِك ما يَحمي عُمارَةُ وابنُهُ *** قَلاَئصُ رَسْلاتٌ وشُعثٌ بَلابِلُ

‏(‏بن‏)‏

الباء والنون في المضاعف أصلٌ واحد، هو اللزوم والإقامة، وإليه ترجع مسائلُ البابِ كلُّها‏.‏ قال الخليل‏:‏ الإبنان اللُّزوم، يقال‏:‏ أبَنَّتِ السّحابةُ إذا لزِمَتْ، وأَبَنَّ القومُ بمحلَّةٍ أقاموا‏.‏ قال‏:‏

* يا أيُّها الرَّكْبُ بالنَّعْفِ المُبِنُّونا *

ومن هذا الباب قولهُم‏:‏ بَنَّنَ الرّجلُ فهو مُبَنّنٌ، وذلك أن يرتبط الشّاة ليسمِّنها‏.‏ وأنشد‏:‏

يُعَيِّرُني قومي بأنّي مُبَنِّنٌ *** وهل بَنَّنَ الأشراطَ غيرُ الأكارِم

قال الخليل‏:‏ البَنَانُ أطرافُ الأصابع في اليدَين‏.‏ والبَنَان في قوله تعالى‏:‏

‏{‏وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ‏}‏ ‏[‏الأنفال 12‏]‏، يعني الشّوَى، وهي الأيدي والأرْجُل‏.‏ قال‏:‏ وقد يجيء في الشّعر البَنانَة بالهاء للإصبع الواحدة‏.‏ وقال‏:‏

لا همّ كَرَّمْتَ بَنِي كِنانَهْ *** ليس لِحَيٍّ فوقَهُمْ بَنَانَهْ

أي لأحدٍ ‏[‏عليهم‏]‏ فضلٌ قِيسَ إصبع‏.‏ وقال في البَنَان‏:‏

لمَّا رأتْ صَدَأ الحديدِ بِجِلْدِهِ *** فاللّونُ أَوْرَقُ والبَنانُ قِصارُ

وقال أبو إسحاق إبراهيم بن السّريّ الزجاج‏:‏ واحد البَنانِ بَنَانةٌ‏.‏ ومعناه في قولـه تعالى‏:‏ ‏{‏وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ‏}‏ ‏[‏الأنفال 12‏]‏، الأصابعُ وغيرها من جميع الأعضاء‏.‏ وإنما اشتقاق البَنَان من قولهم أبَنَّ بالمكان إذا قام؛ فالبنان به يُعْتَمَدُ كلُّ ما يكون للإقامة والحياة‏.‏ قال الخليل‏:‏ والبَنَّة الرِّيح من أرْبَاضِ البقَر والغَنم والظِّباء، وقد يُستعمل في الطِّيب، فيقال‏:‏ أجِدُ في هذا الثوب بَنَّة طيِّبةً من عرْف تُفّاح أو سفَرجَل‏.‏ وأنشد‏:‏

* بَلَّ الذُّنابَى عَبَساً مُبِنَّا *

وهذا أيضاً من الأوّل، لأنّ الرائحة تلزم‏.‏ وقال الرّاجز في الإبنان وهو الإقامة‏:‏

قلائصاً لا يَشْتَكِين المَنَّا *** لا يَنْتَظِرْنَ الرّجُل المُبِنَّا

قال أبو عمرو‏:‏ البَنِينُ من الرّجال العاقلُ المتثبِّت‏.‏ قال‏:‏ وهو مشتقٌّ من البَنَّة‏.‏ والبُنَانة الرَّوضة المعشِبَة الحَالية‏.‏ ومنه ثابت البُنانيّ، وهو من ولد سَعْد بن لُؤيّ ابن غالب، كانت لـه حاضِنةٌ تسمّى بُنانَة‏.‏ وهذا من ذاك الأوّل، لأن الرَّوضة المعْشِبةَ لا تَعْدم الرائحةَ الطيِّبة‏.‏

‏(‏به‏)‏

الباء والهاء في المضاعف ليس بأصلٍ، وذلك أنه حكاية صوتٍ، أو حمْلُ لفظٍ على لفظ‏.‏ فالبهبهة هدير الفحل‏.‏ قال شاعر‏:‏

* بِرَجْسٍ بَغْباغِ الهديرِ البَهْبَهِ *

قال أبو زيد‏:‏ البَهْبَهةُ‏:‏ الأصوات الكثيرة‏.‏ والبهبهة‏:‏ الخَلْق الكثير‏.‏ فأما قولهم للجسيم الجريء البَهْبَهِيّ، فهو من هذا، لأنّه يُبَهبِه في صوته‏.‏ قال‏:‏

لا تَرَاهُ في حادث الدهر إلاّ *** وهو يغدو بِبَهْبَهِيٍّ جَريمِ

وقولهم تَبَهْبَهَ القومُ إذا تشرّفوا، هو من حَمْل لفظٍ على لفظ، لأنّ أصله بخبخوا، من قولهم في التعظُّم والتعظيم‏:‏ بَخٍْ بَخٍْ‏.‏ وقال الشاعر‏:‏

ألم تر أنّي من زُبَيْدٍ بذِرْوَةٍ *** تَفَرَّع فيها مَعْشَرِي وتَبهْبَهُوا

‏(‏ببّ‏)‏

الباء والباء في المضاعف ليس أصلاً، لأنه حكايةُ صوتٍ‏.‏ قال الخليل‏:‏ البَبّةُ‏:‏ هدير الفَحْل في ترجيعه‏.‏ قال رؤبة‏:‏

يسوقُها أعْيَسُ هَدّارٌ يَبِبّْ *** إذا دَعَاها أقْبَلَتْ لا تَتّئِبْ

وقد قالوا رجل بَبٌّ أي سمين، وكان بعضهم* يُلقّب ‏"‏بَبَّة‏"‏‏.‏

‏(‏بوّ‏)‏

البَوُّ كلمةٌ واحدة وهو جلد حُِوارٍ يُحشى وتُعطف عليه النّاقةُ إذا مات ولدُها‏.‏ قال الكميت‏:‏

* مُدْرَجَة كالبَوِّ بين الظِّئرَيْن *

والرّماد بَوُّ الأثافيّ على التشبيه‏.‏

‏(‏بيّ - بأ‏)‏

الباء والياء والباء والهمزة، ليست أصولاً تقاس، لأنها كلمات مفردة‏.‏ يقولون ‏"‏هَيّ بنُ بَيٍّ‏"‏ لمن لا يُعرَف‏.‏ ويقولون بأبات الصّبيّ قلت له بابا‏.‏ قال الأحمر‏:‏ بأْبأَ الرّجُلُ أسرع‏.‏ وقد تبأْبأْنا إذا أسرعنا‏.‏ والبؤبؤ‏:‏ السيِّد الظريف‏.‏ والبؤبؤ‏:‏ الأصل‏.‏ قال‏:‏

* في بؤبؤ المجد وبُحبُوحِ الكَرمْ *

والله أعلم‏.‏

‏(‏باب الباء والتاء وما بعدهما في الثلاثي‏)‏

‏(‏بتر‏)‏

الباء والتاء والراء أصلٌ واحد، وهو القطع قبل أن تتمَّه‏.‏ والسيفُ الباتر القَطَّاع‏.‏ ويقال للرجُل الذي لا عقِب له أَبتَر‏.‏ وكلُّ من انقطع من الخَيْر أثرُه فهو أَبْتَر‏.‏ وخطب زيادٌ خطبتَه البتراء لأنّه لم يفتتِحْها بحمدِ الله تعالى والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏ ورجلٌ أُباتِرٌ‏:‏ يقطع رَحِمَه يبترها‏.‏ قال‏:‏

* على قَطْعِ ذِي القُرْبَى أَحَذُّ أُباتِرُ *

‏(‏بتع‏)‏

الباء والتاء والعين أصلٌ واحدٌ يدلُّ على القوّة والشدّة‏.‏ فالبَتَع طولُ العُنُق مع شِدّة مَغْرِزه‏.‏ ويقال لِكلِّ شديدِ المفاصل بَتِع‏.‏ فأمّا البِتْعُ فيقولون إنه نَبيذ العَسَلِ‏.‏ ويمكن أن يكون سمّيَ بذلك لعلّةٍ أن تكون فيه‏.‏

‏(‏بتك‏)‏

الباء والتاء والكاف أصلٌ واحد، وهو القطع‏.‏ قالوا‏:‏ بَتَكْتُ الشيء قَطعته أبْتُِكه بَتْكاً‏.‏ قال الخليل‏:‏ البَتْك قطع الأذُن‏.‏ وفي القرآن‏:‏ ‏{‏فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ‏}‏ ‏[‏النساء 119‏]‏‏.‏ قال‏:‏ والباتك السَّيف القاطع‏.‏ قال‏:‏ والبَتْك أن تقبض على شَعَرٍ أو ريشٍ أو نحوِ ذلك ثم تجذبَه إليك فينْبتِكَ من أصله، أي ينقطع ويَنْتَتِفُ، وكل طائفةٍ من ذلك بِتْكَةٌ، والجمع بِتَك‏.‏ قال زُهير‏:‏

حتى إذا ما هَوَتْ كفُّ الغلامِ لها *** طارت وفي كَفِّهِ مِنْ ريشِها بِتَكُ

‏(‏بتل‏)‏

الباء والتاء واللام أصلٌ واحد، يدلُّ على إبانةِ الشيء من غيره‏.‏ يقال بتَلْتُ الشيءَ، إذا أبَنْتَهُ من غيره‏.‏ ويقال طلّقها بَتَّةً بَتْلَةً‏.‏ ومنه يقال لمريمَ العذراء ‏"‏البَتُول‏"‏ لأنها انفردت فلم يكن لها زوج‏.‏ ويقال نخلةٌ مُبْتِلٌ، إذا انفردت عنها الصغيرة النابتةُ معها‏.‏ قال الهذليُّ‏:‏

ذلك ما دِينُك إذْ قُرِّبَتْ *** أجمالُها كالبُكُرِ المُبْتِلِ

والبَتِيلة‏:‏ كلُّ عضوٍ بلحمه مُكْتَنِزِ اللّحم، الجمع بتائِل، كأنه بكثْرةِ لحمه بائنٌ عن العضو الآخر‏.‏ ومنه قولهم‏:‏ امرأةٌ مبَتَّلَةُ الخلق‏.‏ والتَّبَتُّل‏:‏ إخلاص النية لله تعالى والانقطاعُ إليه‏.‏ قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏وتَبَتَّلْ إلَيْهِ تَبْتِيلاً‏}‏ ‏[‏المزمل 8‏]‏، أي انقطِع إليه انقطاعاً‏.‏

‏(‏باب الباء والثاء مع الذي بعدهما في الثلاثي‏)‏

‏(‏بثر‏)‏

الباء والثاء والراء أصلٌ واحد، وهو انقطاع الشيء مع دوام وسهولةٍ وكثْرة‏.‏ قال الخليل‏:‏ بَثَر جلدُه تنفَّطَ‏.‏ قال الخليل‏:‏ البَثْر خُرَّاجٌ صِغار، الواحدة بَثْرة‏.‏ قال أبو عليّ الأصفهانيّ‏:‏ بَثَرَ جلدُهُ بُثوراً فهو باثِر، وبُثِر فهو مبثور‏.‏ قال‏:‏ والماء البَثْر الذي يَنِشُّ ويبقَى منه على وجه الأرض كالعِرْمِض، وهو مرتفع عن وَجْه الأرض‏.‏ يقولون‏:‏ صار الغَدير بَثْرا‏.‏ قال أبو حاتم‏:‏ ماءٌ بَثْرٌ كثير‏.‏ قال الهذليّ‏:‏

فافتَنَّهُنَّ مِنَ السَّواءِ وماؤه *** بَثْر وعارَضَهُ طريقٌ مَهْيَعُ

ويقال باثرٌ وباثع إذا بدا ونتأ‏.‏

‏(‏بثع‏)‏

الباء والثاء والعين كلمةٌ واحدة تدلّ على مثل الأصل الذي قبلها‏.‏ يقال شفة باثعة، أي ممتلئة‏.‏

‏(‏بثق‏)‏

الباء والثاء والقاف يدلُّ على التفتُّح في الماء وغيره‏.‏ البَثْق بَثْق الماء، وربما كُسِرَت فقيل بِثْق*، والفتحُ أفصح‏.‏

‏(‏بثن‏)‏

الباء والثاء والنون أصلٌ واحد يدلّ على السهولة واللين‏.‏ يقال أرضٌ بَِثْنةٌ أي سهلة، وتصغيرها بُثَينة‏.‏ وبها سمِّيت المرأة بُثَينة‏.‏ والبَثَنِيَّةُ حنطة منسوبة‏.‏ ومن ذلك حديثُ خالد بن الوليد‏:‏ ‏"‏إنّ عمرَ استعملني على الشام، فلما ألقى بَوانِيَهُوصارَ بَثَنِيّةً وعَسَلاً عَزَلني واستعملَ غيري‏"‏‏.‏

‏(‏بثا‏)‏

الباء والثاء والألف كلمةٌ واحدة لا يُقاس عليها ولا يشتقّ منها، وهي البَثَاء‏:‏ أرضٌ سهلة‏.‏ وهي أرضٌ بعينها‏.‏ قال‏:‏

رفعت لها طَرْفي وقد حالَ دُونها *** جُموعٌ وخيلٌ بالبَثَاءِ تُغِيرُ

‏(‏باب الباء والجيم وما بعدهما‏)‏

‏(‏بجح‏)‏

والباء والجيم والحاء كلمةٌ واحدة‏.‏ يقال بَجَحَ بالشيء إذا فرِح به‏.‏ ويُبَجَّح بكذا‏.‏ وفي حديث أمّ زَرْع‏:‏ ‏"‏بجّحني فَبجَحْتُ‏"‏ أي فرَّحني ففرِحت‏.‏ قال الراعي‏:‏

فما الفَقْرُ من أرضِ العَشيرة ساقَنَا *** إليكَ ولكِنّا بقُرْباكَ نَبْجَحُ

‏(‏بجد‏)‏

الباء والجيم والدال أصلان‏:‏ أحدهما دُِخْلَةُ الأمر وباطنُه، والآخر جِنْسٌ من اللِّباس‏.‏ فأمّا الأول فقولهم‏:‏ هو عالمٌ ببَجْدة أمرِك وبُجْدَتِه، أي دُِخْلَتِهِ وباطنه‏.‏ ويقولون للدّليل الحاذق‏:‏ ‏"‏هو ابنُ بَجْدَتِها‏"‏، كأنّه نشأ بتلك

الأرض‏.‏

والأصل الآخَر البِجاد، وهو كساءٌ مخطَّطٌ، وجمعه بُجْدٌ‏.‏ قال الشاعر‏:‏

بخبزٍ أو بتمرٍ أو بسمنٍ *** أو الشيءِ الملفَّفِ في البِجادِ

ومنه قولهم‏:‏ بَجَدَ بالمكان أقام به‏.‏

‏(‏بجر‏)‏

الباء والجيم والراء أصلٌ واحد، وهو تعقُّد الشّيء وتجمُّعُه‏.‏ يقال للرّجل الذي تخرج سُرّته وتتجمّع عندها العُروق‏:‏ الأَبْجَرُ؛ وتلك البُجْرَة‏.‏ والعرب تقول‏:‏ ‏"‏أفضَيْتُ إليه بِعُجَري وبُجَرِي‏"‏ أي أطلعْتُه على أمري كلّه‏.‏ ومن هذا الباب البَجَارَِي، وهي الدّواهي؛ لأنّها أمورٌ متعقِّدة مشْتبهة؛ والواحد منها بُجْرِيٌّ‏.‏

‏(‏بجس‏)‏

الباء والجيم والسين‏:‏ تفتُّح الشيءِ بالماء خاصّة‏.‏ قال الخليل‏:‏ البَجْس انشقاقٌ في قِربةٍ أو حَجَرٍ أو أرض يَنْبع منها ماء؛ فإنْ لم ينْبع فليسَ بانبِجاس‏.‏ قال العجاج‏:‏

* وَكِيفَ غَرْبَيْ دالجٍ تَبَجَّسا *

قال‏:‏ والانبجاس عامٌّ، والنُّبُوع للعين خاصّة‏.‏ قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً‏}‏ ‏[‏الأعراف 160‏]‏‏.‏ ويقول العرب‏:‏ تَبَجَّس الغَرْبُ‏.‏ وهذه أرضٌ تَبَجَّسُ عُيوناً، والسَّحاب يتبجَّسُ مطراً‏.‏ قال يعقوب‏:‏ جاءنا بثَريدةٍ تَتَبَجَّس‏.‏ وذلك من كثرة الدَّسَم‏.‏ وذكر عن رَجُلٍ يقال له أبو تُراب، ولا نعرِفُه نحنُ‏:‏ بجَسْتُ الجرح مثل بطَطْتُه‏.‏

‏(‏بجل‏)‏

الباء والجيم واللام أصولٌ ثلاثة‏:‏ أحدها الكفاف والاحتساب، والآخر الشيء العظيم، والثالث عِرْقٌ‏.‏

فالأوّل قولهم بَجَلْ بمعنى حَسْب‏.‏ يقول منه‏:‏ أبْجَلَني كذا كما يقول كَفَاني وأحْسَبَنِي‏.‏ قال الكميت‏:‏

إليه موارِدُ أهلِ الخَصَاصِ *** ومِنْ عِنْدِهِ الصَّدَرُ المُبْجِلُ

قال ثعلب‏:‏ بَجَلْ بمعنى حَسْب‏.‏ قال‏:‏ ولم أسمَعْهُ مضافاً إلاّ في بيتٍ واحد وهو قول لبيد‏:‏

* بَجَلي الآنَ مِنَ العيشِ بَجَلْ *

كذا قال ثعلب‏.‏ وقد قال طرفة‏:‏

ألاَ إنّني سُقِّيتُ أسودَ حالِكاً *** ألا بَجَلي من الشراب ألاَ بَجَلْ

وبَجيلة قبيلة، يجوز أن تكون مشتقّة من هذا أو ما بعده‏.‏

والأصل الثاني قولهم للرجل العظيم‏:‏ َبجَالٌ وبَجِيلٌ‏.‏ والبُجْل البُهْتان العظيم‏.‏ وحجّتُه قولُ أبي دُواد‏:‏

* قلتَ بُجْلاً قُلتَ قولاً كاذباً *

والأصل الثالث وهو عِرْقٌ في باطن الذراع‏.‏ قال شاعر‏:‏

* سارت إليهمْ سُؤورَ الأَبْجَلِ الضّاري *

‏(‏بجم‏)‏

الباء والجيم والميم أصل واحد، وهو من الجمع‏.‏ يقال للجمع الكثير بَجْم‏.‏ ومن ذلك بَجَّمَ في نظره‏.‏ وذلك إذا جَمَّع أجفانَه ونَظَرَ‏.‏

‏(‏باب الباء والحاء وما معهما في الثلاثي‏)‏

‏(‏بحر‏)‏

الباء والحاء والراء‏.‏ قال الخليل سمِّي البَحر بحراً لاستبحارِه وهو انبساطُه وسَعَتُه‏.‏ واستبحر* فلانٌ في العلم، وتبَحَّر الرّاعي في رِعْيٍ كثير‏.‏ قال أميّة‏:‏

انعِقْ بِضَانِكَ في بَقْلٍ تَبَحَّرُهُ *** بَيْنَ الأباطِح واحبِسْها بِجِلْدَانِ

وتبحَّر فلانٌ في المال‏.‏ ورجلٌ بَحْرٌ، إذا كان سخيّاً، سمَّوْه لفَيضِ كفِّه بالعطاءِ كما يَفيض البحر‏.‏ قال العامريّ‏:‏ أبحرَ القومُ إذا ركبوا البحر، وأبَرُّوا أخَذُوا في البَرّ‏.‏ قال أبو زيد‏:‏ بَحِرَتِ الإبلُ أكلَتْ شَجَر البَحر‏.‏ وبحِرَ الرّجُلُ سبَح في البَحرِ فانقطعت سِبَاحَتُه‏.‏ ويقال للماء إذا غلُظ بعد عُذُوبةٍ استبحَرَ وماءٌ بَحْرٌ أي مِلْح‏.‏ قال‏:‏

وقد عادَ ماءُ الأرضِ بَحْراً فزادني *** على مَرَضي أنْ أبْحَرَ المشرَبُ العذبُ

قال‏:‏ والأنهار كلُّها بِحارٌ‏.‏ قال الفرّاء‏:‏ البَحْرة الرَّوضة‏.‏ وقال الأمويّ‏:‏ البَحرة البلدة‏.‏ ويقال هذه بَحْرَتُنا قال بعضهم‏:‏ البَحْرة الفَجْوة من الأرض تتسع‏.‏ قال النمْرُ بنُ تَولَب‏:‏

وكأنّها دَقَرَى تَخَيَّلُ، نَبْتُها *** أُنُفٌ، يَغُمُّ الضَّالَ نَبْتُ بِحَارِها

والأصل الثاني داءٌ، يقال بَحِرَتِ الغَنَمُ وأبحروها إذا أكلَتْ عُشْبَاً عليه نَدىً فبَحِرَتْ عنه، وذلك أن تخمص بُطونُها وتُهْلَسَ أجسامُها‏.‏ قال الشيباني‏:‏ بَحِرَت الإبلُ إذا أكلت النَّشْر، فتخرج من بطونها دَوَابٌّ كأنَّها حَيّات‏.‏ قال الضّبّيُّ‏:‏ البَحَر في الغَنَم بمنزلة السُّهامِ في الإبل، ولا يكون في الإبل بَحَرٌ ولا في الغنم سُهام‏.‏

قال ابنُ الأعرابيّ‏:‏ رجل بَحِرٌ إذا أصابه سُلالٌ‏.‏ قال‏:‏

* وغِلْمَتي مِنْهُمْ سَحِيرٌ وبَحِرْ *

قال الزياديّ‏:‏ البحر اصفرارُ اللَّوْن‏.‏ والسَّحِير الذي يشتكي سَحْرَه‏.‏

فإن قال قائل‏:‏ فأين هذا من الأصل الذي ذكرتموه في الاتّساع والانبساط‏؟‏ قيل له‏:‏ كلُّه محمولٌ على البحر؛ لأنّ ماء البحر لا يُشْرَبُ، فإن شُرِبَ أوْرَثَ داءً‏.‏ كذلك كل ماءٍ ملحٍ وإن لم يكن ماءَ بَحْرٍ‏.‏

ومن هذا الباب الرّجل الباحِر، وهو الأحمق، وذلك أنّه يتّسع بجهله فيما لا يتسع فيه العاقل‏.‏ ومن هذا الباب بَحَرْتُ الناقَةَ بَحْراً، وهو شقُّ أُذُنها، وهي البَحِيرة، وكانت العرب تفعل ذلك بها إذا نُتِجَتْ عشرةَ أبطُنٍ، فلا تُركب ولا يُنْتفَعُ بظهرها، فنهاهم الله تعالى عن ذلك، وقال‏:‏ ‏{‏مَا جَعَلَ اللهُ مِنْ بَحِيرَةٍ‏}‏ ‏[‏المائدة 103‏]‏‏.‏ وأمّا الدّمُ الباحر والبَحْرانيُّ فقال قوم‏:‏ هو الشّديد الحُمْرَةِ‏.‏ والأصحُّ في ذلك قولُ عبد الله بن مسلم‏:‏ أنّ الدّمَ البَحْرانيَّ منسوبٌ إلى البَحْر‏.‏ قال‏:‏ والبَحْرُ عُمْق الرَّحِم، فقد عاد الأمر إلى الباب الأوّل‏.‏ وقال الخليل‏:‏ رجُل بَحْرَانيّ منسوبٌ إلى البَحْرَيْن، وقالوا بحرانيٌّ فرقاً بينه وبين المنسوب إلى البحر‏.‏ ومن هذا الباب قولهم‏:‏ ‏"‏لَقِيتُهُ صحْرَةَ بحْرَةَ‏"‏ أي مُشَافَهَةً‏.‏ وأما قولُ ذي الرُّمّة‏:‏

بأرضٍ هِجانِ التُّرْبِ وَسْمِيّة *** الثَّرَى عَذَاةٍ نأَتْ عنْها الملوحةُ والبَحْرُ

فإنه يعني كلَّ ماءٍ مِلْحٍ‏.‏ والبَحْر هو الريف‏.‏

‏(‏بحن‏)‏

الباء والحاء والنون أصلٌ واحدٌ يدلُّ على الضِّخَم، يقال جُلةٌ بَحْوَنةٌ، أي ضَخْمة‏.‏ وقال الأصمعي‏:‏ يقول العربُ للغَرْبِ إذا كان عظيماً كثير الأَخْذِ‏:‏ إنّه لَبَحْوَن، على مثال جَدْوَل‏.‏

‏(‏بحت‏)‏

الباء والحاء والتاء، يدلُّ على خُلوص الشيء وألاّ يخلِطَه غيرُه‏.‏ قال الخليل‏:‏ البَحْت الشيء الخالص، ومِسْك بَحْت‏.‏ ولا يصغّر ولا يثنّى‏.‏ قال العامريّ‏:‏ باحَتَني الأمرَ، أي جاهَرَني به وبيَّنَهُ ولم يُخْفِهِ عليّ‏.‏ قال الأصمعيّ‏:‏

باحَتَ فلانٌ دابّتَه بالضَّرِيعِ وغيره من النَّبت، أي أطعمَها إيّاه بَحْتاً‏.‏ وقال مالك بن عوف‏:‏

ألا مَنَعَتْ ثُمَالَةُ بطنَ وَجٍّ *** بجُرْدٍ لم تُبَاحَتْ بالضَّريعِ

أي لم تُطعم الضّريعَ بَحْتاً لا يخلِطه ‏[‏غيره‏]‏‏.‏ ويقال ظُلْمٌ بَحْتٌ أي لا يشُوبُه شيءٌ‏.‏ وبردٌ بَحْتٌ ومَحْتٌ أي صادق، وحُبٌّ بَحْتٌ مثله‏.‏ وعربيٌّ بحتٌ ومَحْضٌ وقَلْبٌ‏.‏ وكذلك الجَمْعُ على لفظ الواحد‏.‏

‏(‏بحث‏)‏

الباء والحاء والثاء أصلٌ واحد، يدلُّ على إثارة الشيء‏.‏ قال الخليل‏:‏ البحث طلبك شيئاً في التُّراب‏.‏ والبحث أن تسأل عن شيء وتستخبر‏.‏ تقول استَبْحِثْ عن هذا الأمر، وأنا أستَبْحِثُ عنه‏.‏ وبحثْتُ عن فلانٍ بحثاً، وأنا أبحث عنه‏.‏ والعرب تقول‏:‏‏"‏كالباحثِ* عَنْ مُدْية‏"‏، يُضْرَبُ لمن يكون حَتْفُه بيده‏.‏ وأصله في الثَّوْر تُدْفَن له المُدْيةُ في التُّرابِ فيستثيرُها وهو لا يعلَم فتذبحه، قال‏:‏

ولا تَكُ كالثَّوْرِ الذي دُفِنَتْ له *** حديدةُ حَتْفٍ ثمَّ ظلَّ يُثِيرُها

قال‏:‏ والبحث لا يكون إلاّ باليد‏.‏ وهو بالرِّجْل الفَحْص‏.‏ قال الشَّيبانيّ‏:‏ البَحُوث من الإبل‏:‏ ‏[‏التي‏]‏ إذا سارت بحثت التُّرابَ بيدها أُخُراً أُخُراً، ترمي به وراءَها‏.‏ قال‏:‏

* يَبْحَثْنَ بَحْثاً كمُضِلاَّتِ الخَدَمْ *

ويقال بَحثَ عن الخبر، أي طلب عِلْمَه‏.‏ الدُّرَيديّ‏:‏ يقال‏:‏ ‏"‏تركتُه بمَبَاحِثِ البقَر‏"‏ أي بحيث لا يُدْرَى أين هُو‏.‏ قال أبو زيد‏:‏ الباحِثاء، على وزن القاصعاء ترابٌ يجمعه اليربوع، ويُجْمَعُ باحِثَاوَاتٍ‏.‏